
ماكرون في العريش
في تصعيد لافت لمواقفه تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، صعّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من لهجته منتقدًا “الوضع غير المقبول” في القطاع، ودعا إلى ضرورة تبني استجابة إنسانية وسياسية تتناسب مع القيم التي أظهرتها أوروبا في أزمات دولية أخرى، على رأسها أوكرانيا.
وفي تصريحات أدلى بها اليوم، شدد ماكرون على ضرورة “عدم الكيل بمكيالين”، مؤكدًا أن الموقف الأوروبي تجاه غزة يجب أن يكون بنفس الصرامة والوضوح الذي تبنّاه الاتحاد الأوروبي في دعمه لأوكرانيا في وجه العدوان الروسي. وقال:
“يجب أن يكون لنا رد تجاه الوضع غير المقبول في قطاع غزة… لا يمكننا أن نطالب بالعدالة في أوكرانيا ونتجاهل المأساة في غزة.”
ورغم أن المواقف الأوروبية لا يبدو أنها تشكل ضغطاً كافياً على حكومة الاحتلال، إلا أن تصريحات متوالية من ماكرون ومن قادة أوروبيين آخرين قد تحرج إدارة ترامب أكثر، وتزيد الضغط عليها لتقوم هي بدورها بالضغط على حكومة نتنياهو لإنهاء الحرب.
ويستحضر مراقبون زيارة ماكرون إلى مصر، حيث زار مدينة العريش القريبة من معبر رفح، والتي تحولت إلى مركز لوجستي مهم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. الزيارة تحمل بعدًا رمزيًا ورسالة سياسية واضحة بأن باريس تتابع الأوضاع عن كثب، وتسعى للعب دور في الجهود الإغاثية والدبلوماسية.
وفي وقت سابق، كان ماكرون قد وجّه انتقادات صريحة لحكومة بنيامين نتنياهو، واصفًا ما تقوم به في غزة بـ”المخزي”، ودعا الاتحاد الأوروبي إلى “إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل”، في إشارة إلى الاتفاقيات التجارية والعسكرية التي باتت محل انتقاد متزايد لدى عدد من العواصم الأوروبية.
ولم يكتفِ ماكرون بتلك التصريحات، بل لوّح في أكثر من مناسبة بإمكانية اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، ملمّحًا إلى احتمال اتخاذ هذه الخطوة الحاسمة في شهر يونيو/حزيران المقبل، ما قد يشكل تحولاً كبيرًا في السياسة الخارجية الفرنسية، وربما الأوروبية، تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتسعى باريس، من خلال هذا التصعيد الدبلوماسي، إلى لعب دور الوسيط العادل، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية للعدوان الإسرائيلي الذي خلف آلاف القتلى والجرحى ودمارًا واسعًا في قطاع غزة، دون أي أفق واضح للحل السياسي.
خلاصة:
زيارة ماكرون إلى مصر، وتحديدًا إلى مدينة العريش، تأتي في سياق تصاعد مواقفه الرافضة للحرب الإسرائيلية على غزة، ومحاولته إبراز تناقض المعايير الغربية بين أوكرانيا وفلسطين. ومع تلويحه بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، يبدو أن فرنسا تتهيأ لإعادة تموضع في الشرق الأوسط، مستفيدة من انفتاح عربي متزايد على المبادرات السياسية بعد أشهر من العدوان المستمر.