
منذ عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية على رأس ولايته الثانية، تتوالى التحولات في خارطة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، تحولات فاجأت أقرب حلفائه – وعلى رأسهم إسرائيل. لكن هل نحن أمام تحول إستراتيجي عميق يعيد تعريف العلاقة الأميركية-الإسرائيلية؟ أم أن ما يجري مجرد استعراض سياسي عابر يسعى من خلاله ترامب إلى حصد المكاسب دون المساس بجوهر التحالف العضوي مع تل أبيب؟
المشهد المتغير: بين حماس والحوثيين ودمشق
في غضون أسابيع قليلة، قررت إدارة ترامب ما يلي:
الدخول في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، متجاوزًا الحظر الأميركي التقليدي؛
التوصل إلى تفاهمات ميدانية مع الحوثيين، دون اعتبار لموقع إسرائيل في هذه المعادلة؛
رفع العقوبات عن سوريا في خطوة اعتبرها البعض “إعادة تأهيل” لنظام ظل معزولاً لسنوات؛
فتح قنوات تواصل مع إيران، في تناقض مع رهان نتنياهو على مواجهة مفتوحة معها؛
استبعاد إسرائيل من جولات التفاوض حول تهدئة غزة؛
التقارب الهادئ مع السعودية وقطر والإمارات دون اشتراطات إسرائيلية.
تلك الخطوات ليست فقط غير مألوفة، بل صادمة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية التي لطالما اعتادت على كونها حجر الزاوية في كل تحرك أميركي في المنطقة.
هل تخلى ترامب عن إسرائيل؟ نظرة داخلية
من الخطأ قراءة هذه التحركات كعداء لإسرائيل، بل يجب رؤيتها كإعادة تموضع براغماتي. ترامب، كما وصفه الكاتب أسامة أبو أرشيد، لا يتحرك برؤية فلسفية متماسكة، بل بدوافع تتقاطع عند أربعة محاور:
البراغماتية القصوى: ترامب لا يرى في إسرائيل “مقدسة”، بل حليفًا يمكن تجاوزه إذا عارض المصالح الأميركية؛
الطابع الشخصي: يسعى إلى صناعة إرث يُخلّد اسمه عبر اختراقات كبرى في ملفات استعصت على أسلافه؛
الطموح التعاقدي: يبحث دائمًا عن “صفقة”، لا عن تحالفات طويلة الأمد؛
الهوية الأميركية أولاً: حتى لو تعارضت مع التزامات تاريخية.
إعادة تعريف التحالف أم لحظة تكتيكية؟
المحلل إيهاب جبارين يذهب أبعد من ذلك حين يرى أن ترامب “أزاح إسرائيل إلى هامش المشهد”، مشيرًا إلى أن ما يحدث هو:
نزع احتكار تل أبيب للملف الفلسطيني؛
إخراجها من معادلة اليمن وسوريا وإيران؛
استبدالها من موقع “الشريك” إلى موقع “التابع” في القرارات الأميركية.
لكن هل هذا دائم؟ أم أنه تكتيك تفاوضي مؤقت قد ينقلب لحظة تتغير فيها المصالح؟
ثلاثة سيناريوهات محتملة:
- التحول الإستراتيجي الحقيقي:
إذا ثبت أن إدارة ترامب مصممة على نسج علاقاتها في الشرق الأوسط بدون إشراك تل أبيب، فقد نكون أمام لحظة تأسيسية لتحالفات جديدة – تكون فيها إسرائيل أحد الأطراف، لا مركزها. - العودة المشروطة للتحالف التقليدي:
من الممكن أن تكون هذه السياسات ورقة ضغط على إسرائيل لإعادة ترتيب مواقفها، خصوصًا في ملفات غزة وإيران. أي أن ترامب يقول لنتنياهو: “إمّا أن تتماشى مع خططي، أو لن تكون في الصورة.” - الانعكاس الكامل نحو إسرائيل:
وهو سيناريو وارد في حال وجد ترامب نفسه محاصرًا داخليًا – سواء بضغط اللوبي الصهيوني أو بسبب فشل صفقاته. حينها، قد يعود أقوى إلى أحضان تل أبيب، في محاولة لإثبات “الولاء”.
كلمة أخيرة: من يملك مفاتيح اللعبة؟
التحولات الحاصلة ليست مجرد تقلبات مزاج رئيس، بل تعبّر عن لحظة تحول دولي. إسرائيل، التي لطالما كانت الذراع الأولى لواشنطن في المنطقة، بدأت تفقد هذه الميزة. فالعالم يتغير، وأولويات واشنطن كذلك.
لكن هل يستطيع ترامب فعلاً أن يتخلى عن إسرائيل؟ أم أن ما نشهده هو مجرد “زعل مؤقت بين حبيبين قديمين”؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، ولكن ما هو مؤكد أن العلاقة الأميركية-الإسرائيلية لم تعد كما كانت، وترامب – بشخصيته الانقلابية – هو من بدأ بكسر هذا التابو.