
جو بوست
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأردن وخارجه، أعلنت هيئة الإعلام الأردنية عن حجب 12 موقعًا صحفيًا إلكترونيًا، معظمها يعمل من خارج البلاد، متذرعة بـ”الحفاظ على الأمن الإعلامي الوطني”. من بين هذه المواقع المحجوبة: عربي بوست، عربي 21، موقع ميم، وصحيفة ميدل إيست آي (Middle East Eye)، وهي منصات معروفة بنهجها الاستقصائي وتغطياتها الجريئة للأحداث الإقليمية.
لكن ما أثار الحفيظة فعلًا هو استهداف منصة ميدل إيست آي، المعروفة دوليًا بمصداقيتها واستقلالها الصحفي، بعد أن نشرت تقريرًا موثقًا تناول فسادًا محتملًا في ملف المساعدات الجوية إلى غزة، حيث سلطت الضوء على التلاعب في توزيع تلك المساعدات من قبل أطراف أردنية بالتنسيق مع شركاء غربيين.
ميدل إيست آي… التقرير الذي فجر الغضب
جاء تقرير Middle East Eye كضربة موجعة للرواية الرسمية، حيث تضمن شهادات موثقة، وصور أقمار صناعية، وتحليلات ميدانية، أظهرت أن جزءًا من المساعدات الجوية لم يصل إلى مستحقيه في قطاع غزة، وأن هناك تلاعبًا في المسار والوجهة. التقرير نشر بالإنجليزية، لكنه انتشر بسرعة بين النشطاء الأردنيين والفلسطينيين، وفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول دور الحكومة الأردنية في إدارة هذا الملف الحساس.
وبدلًا من الرد بالوثائق، أو فتح تحقيق جدي، اختارت السلطات الأردنية الرد عبر الحجب… وكأن الحل لإسكات الحقائق هو دفنها.
ذرائع أمنية… أم ذعر سياسي؟
الحجة التي قدمتها الهيئة، وهي “الإساءة والتشويه”، لم تكن مدعومة بأي سرد قانوني أو تحقيق معلن. ولم ترد الهيئة على مضمون تقرير “ميدل إيست آي”، ولم تنف صحته. وهذا يؤكد أن الخوف لم يكن من الكذب، بل من الحقيقة نفسها.
في واقع الأمر، هذا الحجب لا يعبّر إلا عن حالة رعب داخل النظام من أي محاولة لفتح الملفات المسكوت عنها، من الفساد إلى التواطؤ، مرورًا بتضييق الحريات وملاحقة النشطاء والصحفيين.
صوت الناس: سخرية، غضب، وتحدٍّ
ردود الفعل على هذا القرار كانت لاذعة. إليك بعض النماذج التي انتشرت:
أبو محمد الطراونة كتب ساخرًا:
“سلمولي على حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير والأقلام الحرة… نصيحة مجانية لصحافيي سويسرا وبريطانيا يفتحوا أفرعهم في دولة الصحافة الحرة في الأردن.”
بينما قال مواطن أردني آخر:
“هذا القرار يزيد من قرّاء هذه المواقع الإخبارية، لأنها تقول الحقيقة.”
وعلّقت وداد الحموي على “فيسبوك”:
“الشعب الأردني تجاوز كل تقنيات الحجب سابقًا، ولن يتوقف عند هذه المسرحية الجديدة.”
الخاتمة: الحجب لا يُنقذ الحكومات من الحقيقة
أن تحجب موقعًا، لا يعني أنك حجبت السؤال. وأن تمنع الناس من القراءة، لا يعني أنك منعتهم من التفكير.
تقرير “ميدل إيست آي” لم يكن أول من يكشف، ولن يكون الأخير. وما جرى من حجب جماعي لمواقع مستقلة لا يمكن تفسيره إلا على أنه محاولة رسمية لدفن الحقيقة، وتأبيد الوهم، وصناعة عزلة إعلامية داخل حدود الدولة.
لكن العالم تغير. والأنظمة التي تخشى من موقع إلكتروني، أو تقرير صحفي، أو صورة فضائية، هي أنظمة بدأت فعليًا تفقد قدرتها على الإقناع، وربما على البقاء.
الحقيقة لا تُحجب. بل تعود دومًا، أقوى، أعمق، وأكثر تأثيرًا.