
وسط تحولات إقليمية ودولية متسارعة، تلوح في الأفق إمكانية لقاء غير مسبوق بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، خلال زيارة الأخير المرتقبة إلى الرياض، ضمن جولة تهدف إلى ترسيخ حضوره الخارجي. وبالتوازي، تتواتر معلومات عن زيارة قريبة للرئيس الشرع إلى باريس لعقد لقاء رسمي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يضع الدبلوماسية السورية الناشئة أمام اختبار استراتيجي مزدوج: استعادة الحضور الإقليمي وكسر العزلة الدولية.
اللقاء المرتقب في الرياض – إن تحقق – لن يكون مجرد بروتوكول سياسي عابر، بل يمثل نقطة تحوّل في قراءة المجتمع الدولي للواقع السوري الجديد. فبعد سنوات من العزلة والحرب، يحاول الشرع تصدير نفسه باعتباره رأس مرحلة انتقالية قادرة على التفاوض مع مختلف الأطراف – من البيت الأبيض إلى الإليزيه، مرورًا بالعواصم العربية.
وتكتسب الرياض رمزية خاصة في هذا السياق، باعتبارها طرفًا مؤثرًا في المعادلة السورية، سواء عبر الملف الإنساني أو موازين الدعم الإقليمي للمعارضة والنظام. كما أن استضافة السعودية للقاء يجمع ترمب – حليفها التقليدي – بالرئيس السوري المؤقت، تعكس انفتاحًا سعوديًا مدروسًا على تسوية سياسية جديدة في سوريا، وإن بصيغة مشروطة ترتبط بمكافحة النفوذ الإيراني وضبط التوازنات الإقليمية.
أما اللقاء المرتقب مع ماكرون في باريس، فهو يحمل بعدًا مختلفًا: شرعنة الشرع أوروبيًا، وفتح قنوات الدعم المدني والمؤسساتي عبر نافذة العلاقات الفرنسية – السورية التاريخية. ماكرون، الذي يسعى للعب دور الوسيط بين الغرب والعالم العربي، قد يرى في الشرع فرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقة الأوروبية مع دمشق دون المرور عبر بوابة النظام السابق أو الوقوع في شرك التطبيع التقليدي.
في المجمل، إن تحرّك الشرع بين الرياض وباريس، واحتمال لقائه برموز سياسية ثقيلة مثل ترمب وماكرون، يشير إلى محاولة سورية دقيقة لإعادة التموضع، وكسر صورة “الدولة العاجزة”. فبدلًا من الاكتفاء بدور المفعول به في مؤتمرات أستانا وجنيف، يظهر الشرع – على الأقل رمزيًا – كصاحب مبادرة سياسية تسعى إلى استعادة الشرعية الدولية من بوابات غير روسية أو إيرانية.
الكرة الآن في ملعب اللاعبين الدوليين. فهل يمنحون سوريا الجديدة مقعدًا مستقلاً على الطاولة، أم أن هذا الحراك لا يعدو كونه استعراضًا سياسيًا في زمن الغموض؟