
الخبر:
صادقت الحكومة في دولة الاحتلال مؤخراً على خطة استراتيجية لبناء جدار أمني بطول أكثر من 400 كيلومتر على طول الحدود مع الأردن، يتزامن مع مشروع استيطاني جديد يشمل 22 مستوطنة في الضفة الغربية، منها أربع مستوطنات قرب الحدود الأردنية. وترى مصادر سياسية وأمنية أن هذه الخطوة قد تمثل بداية فعلية لضم الضفة الغربية بالكامل، وتفتح الباب أمام تهجير تدريجي للفلسطينيين نحو الأردن، كما تشير بشكل واضح إلى انتهاء دور النظام في الأردن في نظر الاحتلال.
لماذا الخبر مهم؟
تكمن أهمية هذه التطورات في أنها تمثل تحولاً نوعياً في طريقة تعامل إسرائيل مع الضفة الغربية والأردن معاً. فهي لا تهدد فقط مستقبل الدولة الفلسطينية، بل تمس مباشرة التوازن الديموغرافي والسياسي في الأردن، وتضع النظام الأردني أمام معضلة كبرى: مواجهة خطر تحوله إلى مستوعب قسري للمهجرين الفلسطينيين. كذلك تشير هذه الخطط إلى تراجع دور النظام الأردني التقليدي كحارس للحدود الشرقية للاحتلال الإسرائيلي، وتحويله إلى طرف خاضع لإملاءات أمنية متزايدة.
السياق:
في خلفية هذا القرار تقف جملة من التغيرات الميدانية والإقليمية. فمنذ انطلاق حرب غزة في أكتوبر 2023، تحوّلت الضفة الغربية إلى ساحة اشتباك يومي، وبرزت تقديرات لدى الاحتلال حول تزايد النشاط المقاوم في منطقة الأغوار والحدود مع الأردن، خاصة مع ما تعتبره دولة الاحتلال “تسللاً وتهريب أسلحة” عبر تلك الحدود.
لكن الواقع يُظهر أن الإجراءات الصهيونية تتجاوز مجرد حماية الحدود، إذ يتم توظيف الذريعة الأمنية كغطاء لمشاريع ضم صامتة ومتدحرجة، عبر بناء مستوطنات، وسن قوانين تُعيد فك الارتباط، وفرض سيطرة إدارية وأمنية مطلقة على الأرض.
كما أن السياق السياسي يشهد تحولات تدفع دولة الاحتلال للمضي في فرض الأمر الواقع: ضعف الموقف الفلسطيني الرسمي، تراجع الاهتمام العربي بالقضية، وتوفر دعم أمريكي كبير لحكومة نتنياهو اليمينية.
تراجع الدور الأردني:
لطالما لعب النظام الأردني دوراً محورياً في حماية الحدود الشرقية للكيان، وكان يُنظر إليه كشريك موثوق في ضبط “الخاصرة الشرقية”. لكن مشاريع الجدار والاستيطان الجديدة تُعبّر عن اهتزاز الثقة لدى بالدور الأردني، بل ربما عن تجاوزه بالكامل.
بل إن الأوساط الإسرائيلية باتت تنظر إلى الأردن كمجال ضغط إضافي يُستخدم لإحكام العزل على الضفة الغربية. فإسرائيل تدفع عمان لملاحقة أي نشاط “عابر” للحدود، وتطالبها بتشديد قبضتها الأمنية داخل الأردن نفسه. وهو ما يمثل خطراً على السيادة الأردنية وعلى الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل وجود مشاعر شعبية قوية جداً تؤيد المقاومة الفلسطينية.
ماذا يمكن أن نتوقع؟
تشير المعطيات إلى أن دولة الاحتلال ماضية في مخططها رغم التحديات الجيوسياسية. ويُحتمل أن نشهد خلال الشهور القادمة:
- تقدم ملحوظ في بناء الجدار الأمني، رغم كلفته المالية واللوجستية العالية.
- إطلاق مشاريع استيطانية جديدة في الأغوار الشرقية، لتثبيت الوقائع على الأرض.
- تزايد الضغوط على الأردن للتجاوب مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية على حدوده.
- تصعيد في السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تفريغ الضفة الغربية، سواء بالضغط الاقتصادي أو بالعنف أو بسياسات “الطرد الناعم”، ما يهدد بدفع موجات تهجير غير معلنة نحو الأردن.
كما يخشى مراقبون أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقويض حل الدولتين بشكل نهائي، واستبداله بواقع فصل جغرافي وديمغرافي قسري، تكون نتيجته الفعلية “الوطن البديل” للفلسطينيين في الأردن، وهو ما يشكل تهديداً إستراتيجياً مباشراً لكيان الدولة الأردنية نفسها.
الخلاصة:
إسرائيل لا تبني جداراً فحسب، بل ترسم حدوداً جديدة للصراع، تُعيد تعريف الجغرافيا والديموغرافيا، وتحول الأردن من “منطقة عازلة” إلى مسرح محتمل لتمدد الأزمات القادمة. في المقابل، يبدو الموقف الأردني الرسمي حذراً ومتردداً، ما قد يفتح الباب أمام فراغ يُملأ بسياسات فرض الأمر الواقع من الطرف الأقوى.