
عمّان – من قسم السراب السياسي
في تطور مثير على منصات التواصل، دوّت تغريدة للصحفي العريق سمير الحياري على موقع “إكس” كزلزال سياسي من العيار الخفيف، حين نشر صورة لحاكم الأردن عبدالله مرفقة بجملة غامضة: “شكله في طبخة على النار”. هذه الكلمات، التي لم تحصد أكثر من 2000 مشاهدة حتى كتابة هذا الخبر، قيل أنها فجّرت موجة من التحليلات الوطنية، بلغت حد مقارنات مع تسونامي سياسي مزعوم وقع قبل عقدين، ومع حروب الجيل الخامس في المطبخ الأردني. في الواقع هي لم تفجّر سوى غضب من سمع بالقصة!
وسرعان ما التقط الإعلام الأردني الرسمي وشبه الرسمي هذه التغريدة كما تلتقط المجهرية إشارات البكتيريا، لتتحول إلى عنوان مقال ناري: “تغريدة تُشعل المخيال السياسي.. هل نحن أمام طبخة كبرى؟”، في إشارة إلى تغييرات كبرى يُفترض أنها ستحسم مستقبل الأمة، من خلال تغيير وزير البيئة وتدوير وزير الاقتصاد إلى وزير تطوير القطاع العام الذي تم إلغاؤه ثم بعثه ثم دفنه ثم استحضاره مجدداً بمرسوم ملكي.
المقال الذي حمل اسم الصحفي قصي أدهم، فسر التغريدة بجدية مبالغ فيها بطريقة لافتة، وربطها بتغييرات داخلية كبرى، واحتمالات إقليمية كونية، وتداعيات ما بعد غزة، وربما حتى بصفقة القرن ونهاية التاريخ. بل وذهب إلى حد مقارنة “طبخة الحياري” بـ”طبخة 2008″، التي انتهت حينها بتغيير حكومة نادر الذهبي وتعيين أصدقائه في مناصب جديدة… مع بقاء جميع القرارات في يد شخص واحد: الملك.
تسريبات أم تسخينات؟ فك الارتباط
وبينما تسربت عبر منصة إكس “معلومات” منسوبة لمصادر “رفيعة لم ترغب بالكشف عن هويتها لأنها لا تمتلك هوية أصلاً”، تحدّثت عن قرارات تتعلق ب “قوننة فك الارتباط” مع الضفة الغربية في جلسة مرتقبة للمطبخ السياسي، اعتبر مراقبون أن ما يجري هو مجرد تجديد لطلاء الأبواب داخل القصر، وليس تغييراً في مسار البيت. فمنذ عقود، تُدار البلاد بنفس الخلطة: نُحرك الوزارات، نُبقي الصلاحيات، نُبدل الشخوص ونُكرّر الوجوه.
أما المواطن الأردني، الذي ما زال يترنّح بين الضريبة والبطالة وبين أسعار البصل والغاز، فلم يعد يعنيه كثيراً إن كانت الطبخة على نار هادئة أو على شواية تركية، لأنه بات يعرف الحقيقة المرّة: كل هذه التحليلات عن “إشارات ملكية” و”تسونامي سياسي” و”أفق جديد” ما هي إلا أوهام التغيير الموسمية، تأتي مع كل شتاء وتذوب في أول شمس. ويذوب الثلج، ويبقى المرج صلاحيات كاملة الدسم في يد شخص واحد: الملك.
الخلاصة؟
نعم، نحن أمام “طبخة كبرى”. لكنّها من ذات القائمة القديمة: “تعديل حكومي محدود”، “مجلس نواب بلا صوت”، “سياسات بلا تغيير”، و”ملك واحد بكل الخيوط، يمسك الملعقة والقدر والمائدة”.
وفي انتظار التعديل القادم… يبقى السؤال: هل غيّر أحد فعلاً المكوّنات، أم أننا لا نزال نأكل من نفس الوصفة التي تصدر بأمر شخص واحد: الملك؟