
في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحوّلًا تاريخيًا في الموقف من القضية الفلسطينية، وفي لحظة نادرة أصبح فيها ضمير البشرية متيقظًا لواحدة من أبشع جرائم الإبادة في القرن الحادي والعشرين، تقف الأنظمة العربية والإسلامية كالصخر الأصم، لا تنطق، لا تتحرك، بل تقف في صفّ الجلاد وتدفع من دمنا وكرامتنا ثمن بقائها في عروش مهترئة تحكمها أوهام العظمة وخوف الزوال.
العالم الحر، أو على الأقل أجزاء منه، يتحرك. في أوروبا، بدأت دول مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا وفرنسا تتحدث بجدية عن الاعتراف بدولة فلسطين. تخرج مظاهرات بمئات الآلاف في شوارع لندن وواشنطن وبرلين، ويطالب الآلاف بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، بل إن موظفين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي يتهمون قادتهم بالتواطؤ بالصمت. جامعات أمريكية تنتفض، وطلاب يُعتقلون ويُقمعون فقط لأنهم قالوا “فلسطين حرّة”. هذه التحركات رغم تأخرها، تعني أن دماء أطفال غزة أحرجت العالم، أما “الإخوة” العرب، فما زالوا يتلذذون بمشاهد الذبح، ويُنسقون لوجستيًا مع القاتل.
العار المغربي
ملك المغرب، محمد السادس، رئيس “لجنة القدس”، يستقبل سفنًا مليئة بالأسلحة الثقيلة القادمة من أمريكا إلى ميناء طنجة والمتوجهة إلى الكيان الصهيوني! لا يقف الأمر عند ذلك، بل يتدرب الجنود الصهاينة على الأراضي المغربية، جنبًا إلى جنب مع الجيش المغربي، في أكبر صفعة للخيانة في تاريخ ما يسمى “لجنة القدس”. أليست هذه خيانة علنية؟ هل يوجد أخطر من هذا التواطؤ المكشوف؟ هل هناك ما هو أكثر إذلالًا من أن تصبح الأراضي العربية منصة لإعداد المجازر في غزة؟
نفاق النظام الأردني
أما ملك الأردن عبد الله الثاني، فحدث ولا حرج. من قفزته الإعلامية لاستعطاف الغرب بطائرات تُسقط علب البسكويت في سماء غزة، إلى تورطه المباشر في فضائح المساعدات الإنسانية التي وُزعت على الحاشية والضباط والأجهزة الأمنية الأردنية بدلًا من أطفال غزة، تتساقط أوراق التوت تباعًا عن نفاق هذا النظام.
لكن الأخطر من البسكويت، هو “جسر الملك حسين” – شريان الإمداد الحيوي للاحتلال، والذي لم يتوقف ليوم واحد منذ بدء العدوان. آلاف الشاحنات تمر عليه، محملة بالوقود والغذاء والذخيرة التي لا تصل لغزة، بل إلى جيش الاحتلال ليتقوّى في مذبحته ضد المدنيين. كيف يمكن لملك أن يدّعي الوقوف مع الفلسطينيين وهو يغذّي قاتلهم كل يوم؟
الصمت السعودي والإماراتي والمصري… صمت الشركاء
السعودية، بلد الحرمين، صامتة. تبارك تحت الطاولة التحالف الإقليمي مع إسرائيل عبر واشنطن. الإمارات، تتباهى بفتح معابد يهودية في قلب الخليج بينما تغلق آذانها عن صراخ أطفال غزة. مصر، بوابة الجنوب، لا تزال تُغلق معبر رفح، وتمارس سياسة “التجويع مقابل الأمن”، تتاجر بالجثث، وتستقبل الوفود الصهيونية في قلب سيناء بينما يمنع الأطباء من الوصول إلى غزة المحاصرة.
أين أنتم؟
أين الجيوش؟ أين الشعوب؟ أين خطباء الجمعة؟ أين أنظمة تدّعي السيادة والكرامة؟ هل بقي فيكم ذرة من الشرف؟ بينما العالم يُعلن غضبه، ويُسقط الأقنعة، يُثبت العرب أن القضية الفلسطينية ليست في قاموسهم. بل، وللأسف، باتت الأنظمة ترى أن الصمود الفلسطيني يهدد مشاريعها التطبيعية ويُحرجها أمام شعوبها.
غزة لا تحتاجكم… ولكن التاريخ لن يغفر
غزة لم تنتظر دعمكم. وقفت وحدها، تقاتل وحدها، تُدفن شهداءها بيدها، وتُكمل طريقها رغم الطعنات. لكنها ستسجّل في دفتر الدم والكرامة: من كان معها، ومن باعها. وستبقى لعنة غزة تلاحق المتخاذلين، وستشهد الأجيال أن فلسطين بقيت رغم خذلان أقرب الناس، لأنها آمنت بعدالة قضيتها، وليس بعدالة قادتكم.
كفى خيانة. كفى نفاقًا. كفى استهتارًا بالدم العربي.
إن لم تتحرك الشعوب العربية لإسقاط هذه الأنظمة التي تتاجر بدم فلسطين، فليعلم الجميع أن غزة قادرة على تحرير نفسها، ولكنها ستُحرر القدس يومًا رغم أنف كل ملك خان، وكل جنرال باع، وكل إعلامي برّر، وكل شيخ صمت.
غزة وحدها، لكنها الأعظم.
أما أنتم… فلستم إلا ظلًا مهزومًا على هامش التاريخ.
JoPost جو بوست