
أعلنت وزارة الدفاع السورية عن استكمال المرحلة الأولى من مشروع دمج الفصائل المسلحة ضمن هيكلية الجيش السوري، في خطوة وُصفت بأنها أساسية لبناء جيش موحد بعد سنوات من الصراع والانقسامات. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب “مؤتمر النصر”، الذي تبنّى تصوراً جديداً للجيش بعد ما سُمي بـ “انتصار الثورة” ووصول القوات العسكرية إلى العاصمة دمشق.
وبحسب وزارة الدفاع، فإن أكثر من 130 فصيلاً مسلحاً، معظمها كان جزءاً من “الجيش الوطني”، “الجبهة الوطنية للتحرير”، و”هيئة تحرير الشام”، قد تم دمجها خلال الأشهر الماضية، بما يشمل الكوادر البشرية، والخبرات القتالية، والمعدات التي كانت بحوزة هذه الفصائل.
من الفصائل إلى المؤسسة
يعتمد نموذج الدمج على تقييم الأفراد عسكرياً وإدارياً، ثم توزيعهم على وحدات الجيش النظامي وفق تخصصاتهم. كما يخضع هؤلاء لبرامج إعادة تأهيل وتدريب وفق معايير الجيش السوري. ويؤكد مسؤولون في الوزارة أن المنضمين يتمتعون بكامل حقوق العسكريين، ويخضعون للانضباط القانوني والعسكري المتبع.
وقال مدير العلاقات الإعلامية في وزارة الدفاع، عدي العبد الله، إن العملية “شاملة ومفتوحة”، مشيراً إلى أن التواصل تم مع جميع التشكيلات دون استثناء، وأن الوزارة “لن تسمح بوجود أي سلاح خارج سلطة الدولة”.
نحو جيش محترف
أوضحت مصادر عسكرية أن وزارة الدفاع تسعى إلى التحول من مظلة تنسيقية للفصائل إلى مؤسسة مركزية احترافية تدير العمليات العسكرية بفعالية، عبر إجراءات تشمل إعادة الانتشار، فرض الانضباط، وتقييم الجاهزية القتالية. كما أُعلن عن إلغاء نظام الفيالق لصالح نظام “المناطق العسكرية”، في تحول عقائدي أقرب للنموذج الغربي.
تحديات ميدانية وسياسية
ورغم التقدم الملموس، إلا أن العملية لا تزال تصطدم بعدة تحديات:
- انتهاء المهلة الزمنية: منحت الوزارة مهلة 10 أيام لانخراط الفصائل الصغيرة، وقد انقضت دون نتائج نهائية، وسط مخاوف من صعوبة السيطرة على السلاح الفردي المنتشر خارج المؤسسات.
- مقاومة الاندماج الفردي: بعض التشكيلات، مثل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والمجلس العسكري التابع للشيخ حكمت الهجري في السويداء، ترفض الاندماج كأفراد وتصرّ على الانضمام ككتلة مستقلة داخل الجيش، وهو ما ترفضه الوزارة باعتباره تهديداً لوحدة القرار العسكري.
- ملف “قسد”: رغم توقيع اتفاق مبدئي بين قائدها مظلوم عبدي ومسؤولين في دمشق في مارس الماضي، لا تزال العقبات السياسية والاجتماعية تعرقل تطبيقه، في ظل تعقيدات المشهد شمال شرقي البلاد.
- الجنوب السوري: تبقى محافظتا درعا والسويداء بؤرتين معقدتين، حيث تتواجد تشكيلات عسكرية دينية وعائلية، بعضها منخرط في التنسيق مع الجيش، فيما لا يزال البعض الآخر خارج الإطار الرسمي، مثل المجلس العسكري في السويداء.
- ضباط النظام السابق: يطرح وجود عدد كبير من ضباط “النظام السابق” تحدياً هيكلياً، وسط دعوات لفصل من ارتكب انتهاكات، وتحويل الإداريين منهم إلى العمل المدني.
- مطالب الفصائل الصغيرة: بعض المجموعات التي كانت ضمن “الجيش الوطني” تتباطأ في الاندماج، سعياً للحصول على امتيازات عسكرية إضافية.
- المجموعات المعادية: تشمل التحديات أيضاً مواجهة خلايا تنظيم “داعش”، وبعض التشكيلات المرتبطة بقوى خارجية مثل إيران، والتي تُعد من وجهة نظر الحكومة “مجموعات معادية” لا يشملها مسار الدمج.
وزارة الدفاع: الباب لا يزال مفتوحاً
رغم هذه التحديات، تؤكد وزارة الدفاع أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام من يرغب في “المشاركة في المشروع الوطني”، لكنها في الوقت ذاته تهدد بتطبيق القانون على من يرفض الانضواء تحت سلطة الدولة.
وتشير تحليلات عسكرية إلى أن النجاح النهائي لهذه العملية سيتوقف على قدرة الوزارة على استيعاب الطيف الواسع من المقاتلين والفصائل، ودمجهم ضمن مؤسسة موحدة دون تمييز، مع الحفاظ على الجاهزية القتالية.
ويقترح بعض المراقبين خطوات تسهيلية، مثل تقديم حوافز مالية ورواتب مرتفعة للمنضمين، لجذب الأفراد بعيداً عن الانتماءات الفصائلية السابقة.
خاتمة
لا تزال الأيام القادمة حاسمة في تحديد مصير مشروع الدمج. فمع بقاء ملفات مثل “قسد” والجنوب السوري دون حسم، تبقى وزارة الدفاع أمام اختبار حقيقي في إعادة بناء جيش موحد، قادر على فرض السيادة والاستقرار، بعد أكثر من عقد من التشرذم والصراع المسلح.