
تتزايد التحذيرات داخل الأوساط السياسية والإعلامية في مصر بشأن ما وُصف بأنه “مخطط أمريكي–إسرائيلي” لتهجير سكان غزة قسرًا نحو شبه جزيرة سيناء، في وقت تتوالى فيه مشاهد الدمار المؤلمة من مدينة رفح جنوبي القطاع.
تحذير من سيناريو يتحقق
السياسي المصري سيد مشرف صرّح لـ”رأي اليوم” أن ما كان يُعتبر تحذيرات نظرية بات اليوم واقعا ملموسا، مؤكدا أن المخطط الذي يستهدف تهجير أهالي غزة إلى سيناء يجري تنفيذه فعليًا، بدفع من واشنطن وتل أبيب، وبتواطؤ إقليمي يختلط فيه الضعف بالمصالح.
مشرف أشار إلى أن الباحث الاستراتيجي د. أحمد عز الدين كان قد حذر مبكرًا في دراسته “نحو الخيار شمشون” من لحظة يتحوّل فيها الحصار إلى وسيلة ضغط قسري تنتهي بتهجير سكان غزة نحو سيناء، التي وصفها بأنها “قلب الأمن القومي المصري” والمستهدف الحقيقي من وراء هذا السيناريو.
ليبيا خارج الحسابات
ورفض مشرف، في تصريحات نُقلت عنه، ما يُشاع حول نقل الغزيين إلى ليبيا، واصفًا الفرضية بأنها “غير واقعية”، سواء من حيث النقل الجوي أو البري، مستدلًا بأن الأمر سيتطلب قدرات لوجستية وأمنية خيالية.
وأكد أن سيناء هي “الممر الإجباري” الوحيد وفقًا للخطة المرسومة، مع استخدام مصطلحات مثل “الإيواء المؤقت” أو “الدخول الإنساني” كمقدمات لفرض واقع سياسي جديد، كما حدث في تجارب الاحتلال السابقة: تبدأ بشعارات إنسانية وتنتهي بتغييرات جيوسياسية دائمة.
تصعيد استراتيجي أمريكي؟
وفي تفسيره لتوقيت تنفيذ الخطة، يقول مشرف إن واشنطن تعمل على استكمال “انقلابها الاستراتيجي في الإقليم”، مؤكداً أن هذا التغيير لا يمكن أن يتحقق دون المرور عبر ما وصفه بـ”الجسد المصري”، وأن إسرائيل لا تستطيع إعادة رسم خارطة المنطقة دون كسر “البوابة الشرقية لمصر”، أي غزة، والهدف النهائي هو سيناء.
مخاوف من تصعيد ميداني
وحذّر مشرف من أن حجم القوات الإسرائيلية داخل غزة لا يتناسب مع عملية تكتيكية محدودة، مشيرًا إلى دخول شركتين أمنيتين أمريكيتين، هما “بلاك ووتر” و”DIA”، تحت غطاء الإغاثة، بينما لا تحملان “غذاء ولا دواء، بل نارًا ولهيبًا”، حسب تعبيره.
كما انتقد الأصوات المروجة للتطبيع مع إسرائيل، معتبرًا أن “تحالفات الردع الخليجية” و”صفقات السلاح” لا تمثل سوى سراب، في ظل كون استخدام تلك الأسلحة محكوما بإذن أمريكي لن يصدر يوماً لتوجيهها نحو تل أبيب.
نداء إلى القيادة المصرية
وفي رسالة مباشرة للقيادة المصرية، قال مشرف: “أنتم درع الوطن وسيفه. مصر لا يمكن أن تكون وطنًا بديلاً لأحد، وسيناء ليست مخيمًا للانتظار، حتى ولو باسم الإنقاذ الإنساني.” وأضاف: “إن من يقبل الغريب مؤقتًا، سيصحو يومًا ليجد الراية المصرية قد رُفعت من أرضه.”
دعم شعبي ورسمي
بدوره، أكد الإعلامي المصري مصطفى بكري أن خطة إسرائيل تعتمد على دفع الفلسطينيين قسرًا نحو الحدود المصرية، عبر الحصار والقصف المتكرر، لدفعهم إلى اقتحام المعابر، وخلق واقع جديد. وقال إن مصر “لن تكون طرفًا في تصفية القضية الفلسطينية”، مؤكداً أن البلاد تمر بمرحلة خطيرة غير مسبوقة.
بكري أضاف أن “مصر كلها خلف جيشها وقائدها في مواجهة المخطط الصهيوني–الأمريكي”، محذرًا من تصريحات حديثة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشف فيها أن خطة التهجير تمثل تطبيقًا مباشرًا لخطة ترامب لإخلاء غزة. وختم قائلاً إن تنفيذ هذا المخطط “سيعني إعلان حرب على مصر”، محذرًا من أن “اتفاقية السلام ستكون في مهب الريح”.
الخيارات المصرية: بين التوازن والاصطفاف
السؤال الكبير المطروح حاليًا: ما هي الخيارات المتاحة أمام القاهرة؟
بينما أعرب مراقبون عن خيبة أملهم في المواقف العربية، لا سيما الخليجية، يعوّل البعض على زيارة مرتقبة للرئيس الصيني إلى القاهرة لإحداث توازن في مواجهة الضغوط الأمريكية. فيما يرى فريق ثالث أن الحل الوحيد يكمن في “اصطفاف وطني جامع” يتجاوز الحسابات السياسية، ويتجه إلى حماية حدود البلاد وأمنها القومي في لحظة فارقة من تاريخها الحديث.
المصدر: رأي اليوم – بتصرف