
جو بوست
في لحظة نادرة من التحوّل الجذري في الرأي العام العالمي، بدأت قلاع الدعم الأعمى لإسرائيل تتصدع. ضمير العالم – رغم تأخره – بدأ يستيقظ. من مدريد إلى دبلن، من ستوكهولم إلى جوهانسبيرغ، ومن نيويورك إلى باريس، تصاعدت الأصوات من سياسيين ومفكرين وحقوقيين وصحفيين تطالب بوقف الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة.
وفي المقابل، يبقى عبد الله الثاني، ملك الأردن، منغمسًا في مستنقع الصمت والتواطؤ، عاجزًا عن اللحاق بموجة التاريخ، متردّدًا أمام لحظة كان يجب أن يكون فيها قائدًا عربيًا بحق، لا مدير ديوان يوزّع بيانات مكرّرة وكلمات باهتة لا تُحرّك ساكنًا.
فضيحة المساعدات: من الإنزال الجوي إلى السوق السوداء
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، أطلّت علينا الآلة الإعلامية الرسمية الأردنية بصور للملك يوجّه طائرات سلاح الجو الأردني لإسقاط مساعدات إلى أهالي القطاع. لكن الحقيقة التي تكشّفت لاحقًا كانت كارثية:
مساعدات أُلقيت في مناطق نائية أو مكشوفة تعرّضت للنهب أو التلف.
مواد غذائية وطبية فاسدة أو منتهية الصلاحية.
شهادات موثّقة عن تجّار في الأردن اشتروا شحنات من تلك المساعدات وقاموا ببيعها في السوق المحلي.
موظفون رسميون حقّقوا أرباحًا من بيع المساعدات تحت غطاء “العمل الإنساني”.
إنها ليست فقط فضيحة لوجستية، بل جريمة أخلاقية وإنسانية، أن يُستغلّ دم وجوع أطفال غزة لتمويل مشاريع مافيوية داخل النظام الأردني.
في المقابل: العالم يتحرك
دعونا نرصد، بدقة، أمثلة ملموسة من الأيام الأخيرة تُظهر كيف تحرّك العالم – بما في ذلك أصدقاء إسرائيل – في وجه المجزرة:
إيرلندا وإسبانيا والنرويج أعلنوا رسميًا اعترافهم بدولة فلسطين، في خطوة دبلوماسية تاريخية شجعت دولًا أوروبية أخرى على اتخاذ مسارات مشابهة.
البرلمان الإسباني بدأ مناقشات عاجلة لحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، ما يُعتبر صفعة سياسية في وجه الاحتلال.
ألمانيا، حليفة إسرائيل التقليدية، أعلنت على لسان وزير خارجيتها أن “برلين لن تتضامن مع إسرائيل بالإجبار” معتبرًا أن الوضع في غزة “لا يُحتمل”.
جنوب أفريقيا أعادت تقديم دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، تتهمها رسميًا بالإبادة الجماعية.
فرنسا شهدت توقيع أكثر من 300 كاتب ومثقف ناطق بالفرنسية على بيان يطالب بفرض عقوبات على إسرائيل، ونشر في صحيفة “ليبراسيون”.
الولايات المتحدة، حيث تزايدت الضغوط الداخلية على إدارة ترامب بعد مظاهرات طلابية في كبرى الجامعات، تطالب بوقف الدعم العسكري والمالي لإسرائيل.
عبد الله الثاني: ملك على هامش المرحلة
في ظل هذا الزخم العالمي، أين يقف عبد الله الثاني؟ الإجابة مؤلمة: هو يقف في المكان ذاته الذي وقف فيه منذ سنوات، بين:
قمع الحريات وتكميم الأصوات داخل بلده.
إصدار قوانين إلكترونية تضرب في عمق حرية التعبير.
سجن عشرات النشطاء الذين طالبوا بموقف أقوى من الدولة تجاه مجازر غزة.
التركيز على الصور الرسمية والعلاقات العامة بدل الانخراط الحقيقي.
لا توجد أي مبادرة دبلوماسية أردنية فعلية لوقف العدوان. لا مشروع يُقدَّم للأمم المتحدة. لا مؤتمر يُعقد في عمّان لدعم غزة. لا تحرّك حقيقي لوقف التطبيع الاقتصادي الجاري سرًا مع إسرائيل.
حين يصبح الملك عبئًا على الذاكرة العربية
عبد الله الثاني، للأسف، لم يعد يمثل روح الأردن. هو اليوم أقرب إلى مَلك إداري، وظيفته الرئيسية ضمان استقرار المصالح الغربية في المنطقة، أكثر من تمثيل صوت الشعب الأردني الذي طالما احتضن القضية الفلسطينية.
بينما يُحرَق أطفال غزة أحياء، يُقمع الأردنيون في الشوارع وفي الفضاءات الرقمية. بينما ينهار جدار الصمت العالمي، يُعاد ترميم جدران المخابرات في عمّان. بينما تُفرض العقوبات على إسرائيل، تُفرض الغرامات والسجون على نشطاء الأردن.
الخاتمة: حان وقت المواجهة
متى يواجه عبد الله الثاني شعبه بالحقيقة؟ متى يعترف أن ما فعله – أو بالأحرى، ما لم يفعله – في هذه المرحلة التاريخية، هو خيانة لكل معنى للعروبة، للقدس، لفلسطين، ولأردن الكرامة؟
لن تنفعك صور الطائرات، يا عبدو الثاني، ولا بيانات الشجب الخجولة. التاريخ يُكتب الآن، والشعوب تستيقظ. والشعب الأردني، الذي لطالما وقف مع الحق، لن ينسى أنك كنت غائبًا عن اللحظة الوحيدة التي كان يجب أن تكون فيها حاضرًا، وبقوّة.
JoPost جو بوست