
نشرت صحيفة “رأي اليوم” الإلكترونية، بتاريخ 27 مايو 2025، مقالاً تحليلياً للكاتب والدبلوماسي الأردني السابق فؤاد البطاينة تحت عنوان “معادلة السقوط وقبر السلطة”. يطرح المقال رؤية ناقدة جذرياً للسلطة الفلسطينية، متهماً إياها بعرقلة مشروع التحرر الوطني وتحويلها إلى أداة تخدم الاحتلال الإسرائيلي، داعياً إلى “اجتثاثها” كخطوة أولى نحو استعادة القضية الفلسطينية لمسارها الصحيح.
يركّز البطاينة في مقاله على فرضية مفادها أن السلطة الفلسطينية – بصفتها الممثل السياسي المعترف به دولياً للشعب الفلسطيني – تحولت إلى وظيفة استعمارية بامتياز، حيث تعمل، حسب قوله، على تكريس الهزيمة وتعزيز أدوات تصفية الحقوق الفلسطينية، تحت غطاء رسمي ودولي يمنح الاحتلال مساحة أوسع لملاحقة المقاومة وتجريمها.
ووفقاً للكاتب، فإن وجود السلطة بحد ذاته يتم بإرادة الاحتلال ودعمه، ويخدم خططه، حيث إنها تمارس قمعاً مباشراً للمقاومة في الضفة الغربية، وتلاحق أي فعل مقاوم باسم “المصلحة الوطنية”. ويرى البطاينة أن مطالب هذه السلطة انحدرت إلى حد قبول أي كيان فلسطيني مهما كانت مساحته أو سيادته، حتى لو كان مجرد شبر، متخلية بذلك عن المبادرة العربية التي دعت إلى إقامة دولة على حدود الرابع من حزيران. ويضيف أن الاحتلال رفض هذه المطالب جميعها، ورغم ذلك، ما تزال السلطة تطلب من “الكيان” القضاء على حماس وتسليمها غزة، ما يصفه بـ”تعظيم الخيانة”.
من هذا المنطلق، يؤكد الكاتب أن بداية التحرير الحقيقي لفلسطين لا تمر عبر الاشتباك مع الاحتلال فحسب، بل تنطلق من رام الله، بإزالة السلطة نفسها. ويرى أن تحقيق ذلك لا يكون من خلال الشجب أو الإدانة، بل عبر فعل منظم يقوده جسم سياسي اقتصادي فكري، يستثمر ملايين الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة لتنظيم انتفاضة شعبية سلمية ضد السلطة، بعيداً عن تأثير الاحتلال المباشر. هدف هذا الحراك، وفق البطاينة، هو إعادة تصويب البوصلة نحو فهم فلسطين كقضية شعب يقاوم احتلالاً عسكرياً.
ويذهب المقال إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن خيانة السلطة الفلسطينية لا تقارن حتى بخيانات الأنظمة العربية، بل تتجاوزها من حيث التأثير المدمر والعمق، ما يجعل إسقاطها واجباً وطنياً لا يقل قداسة عن مواجهة الاحتلال نفسه.
كما يوجه الكاتب انتقاداً صارخاً للنخب الفلسطينية المقيمة في الخارج، متّهماً إياها بالصمت والتخلي عن دورها التاريخي، والاكتفاء بلوم الأنظمة العربية لتبرير انسحابها من ساحة الفعل السياسي المقاوم. ويحثهم على التحرك لتحمّل مسؤولياتهم الوطنية، محذراً من أن العدو لا يفرّق بين الداخل والخارج، وأن لحظة الحساب ستأتي عاجلاً أم آجلاً. ويتساءل عن المؤسسات والمنابر التي أنشأتها هذه النخب لدعم القضية وكشف الحقائق، مؤكداً على فقر الإنتاج السياسي المقاوم في الشتات.
وقد أثار المقال تفاعلاً واسعاً على موقع الصحيفة، حيث انقسمت التعليقات بين مؤيدين بشدة لما طرحه الكاتب، معتبرين السلطة “واجهة للاستعمار” و”أم الخيانات”، وداعين إلى “اجتثاثها” تمهيداً لتحرير الأرض، وبين منتقدين رأوا أن السلطة رغم كل عيوبها تبقى مؤسسة ضرورية، توفر الحد الأدنى من البنية السياسية والاجتماعية، وأن هدمها دون بديل واضح قد يؤدي إلى فراغ كارثي. بعض المعلقين أشاروا إلى أن اتفاق أوسلو، رغم نتائجه الكارثية، كان محاولة سياسية ضمن ظروف صعبة، ووفّر للفلسطينيين شكلاً من الكيان والإدارة، ما يوجب العمل على إصلاحه لا تقويضه بالكامل.
وربطت بعض الآراء الأزمة الأكبر بالأنظمة العربية التي أضعفت الموقف الفلسطيني عبر التطبيع أو التواطؤ، واعتبروا أن مواجهة تلك الأنظمة لا تقل أهمية عن مواجهة الاحتلال أو إصلاح السلطة.
أما على المستوى الإقليمي، فقد حذّر البطاينة من أن الأردن ليس بمنأى عن المشروع الصهيوني، بل هو الهدف التالي بعد غزة والضفة، في حال استمر الانحدار الرسمي العربي والخذلان الداخلي. وقد أشار بعض المعلقين إلى أن عملية “طوفان الأقصى” مثّلت صفعة لهذا المخطط، ما يُبرز أهمية تفكيك البنية التي سبقت هذا الطوفان، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية بوظيفتها الحالية.
في المحصلة، يقدم مقال “معادلة السقوط وقبر السلطة” طرحاً جذرياً يعيد النقاش إلى مربعه الأول: من يمثل الفلسطينيين؟ وما هي أدوات النضال المشروعة؟ وبين من يرى في السلطة خيانة عظمى، ومن يراها حصانة سياسية ضرورية، يتواصل الجدل الحاد حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، في ظل واقع تزداد تعقيداته داخلياً وإقليمياً.