
ردّ على د. حسن البراري: عندما تُختزل الكارثة في عبارات المجاملة!
✍️ جو بوست | رأي وتحليل
في مقاله الأخير بعنوان “على طاولة الملك.. رؤية أردنية استشرافية في خضم التحديات”، قدّم الدكتور حسن البراري سردًا لمشاعره الشخصية التي تحوّلت من قلق إلى طمأنينة بعد لقاء مع الملك عبد الله الثاني، مشيدًا بـ”الرؤية القيادية” و”التحليل العميق” الذي طمأنه بأن الأردن يسير على الطريق الصحيح.
لكن ما لم يقله الدكتور البراري، هو ما ينبغي قوله أولًا. وهو أن الطمأنينة الفردية لا تعني شيئًا حين تكون بعيدة كل البعد عن وجدان الناس ومعاناتهم. فليسمح لنا الدكتور البراري أن نطرح عليه الأسئلة التالية:
📌 أولًا: عن أي “رؤية” تتحدث؟
كيف يمكن الحديث عن “رؤية قيادية متماسكة” بينما الواقع الأردني يغلي:
مئات المعتقلين السياسيين في السجون بسبب آرائهم ومواقفهم الداعمة لفلسطين، أو بسبب مجرد منشور على وسائل التواصل.
قانون الجرائم الإلكترونية حوّل الأردن إلى دولة بوليسية تُصادر فيها الحريات باسم “ضبط الخطاب العام”.
مجلس نواب هزيل لا يمثل الناس، بل يمثل السلطة التنفيذية في أضعف أشكال الديمقراطية الشكلية.
أصوات الشباب تُسحق، والجامعات تتحول إلى ساحات قمع، بينما يتم تجفيف الفضاء السياسي بالكامل.
فأين هي هذه “الرؤية الشمولية” التي تتحدث عنها يا دكتور؟ وهل سألتم الملك عن غياب العدالة الاجتماعية؟ عن الفقر؟ عن البطالة؟ عن تحوّل الأردن إلى ساحة أمنية تُدار بالهواجس لا بالسياسات؟
🇵🇸 ثانيًا: فلسطين ليست ورقة تفاوض ولا شماعة توازن
صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي يشكّل خطرًا على الأردن، لكن هذا لا يبرر الصمت أو الحياد أو لعب دور “الوسيط المعتدل”. ما يريده الشعب الأردني اليوم هو موقف شجاع وواضح من كل من يحتل ويقتل ويُهجّر ويقسم المسجد الأقصى.
لا نريد “مؤتمرات سلام” فارغة، بل نريد وقفًا حقيقيًا لكل أشكال التطبيع والتنسيق الأمني، وموقفًا أردنيًا يقول علنًا: كفى مجاملة لهذا الكيان الصهيوني.
⚠️ ثالثًا: الخليج شريك؟ أم رقيب؟
حديث البراري عن العلاقة مع السعودية “كضمانة للاستقرار” يفتح الباب لسؤال مشروع: منذ متى أصبح الاستقرار رهينة لرضا الخارج؟
هل نحتاج موافقة الرياض أو أبو ظبي لنعبر عن رأينا في فلسطين؟
وهل تبقى السياسة الخارجية الأردنية مرهونة بتحالفات مشروطة ومتناقضة؟
🤐 رابعًا: وأين صوت المعتقلين؟ أين قضية الحرية؟
لم نقرأ في مقال الدكتور البراري كلمة واحدة عن المسجونين بسبب دعمهم لغزة، أو المنتقدين لسياسة الدولة، أو المعارضين الذين صودرت حياتهم بالكامل.
لم نقرأ شيئًا عن قمع النقابات، ولا عن تكميم الصحافة المستقلة، ولا عن ملاحقة كل رأي حر.
فإذا كان لقاءكم مع الملك صادقًا، لماذا لم يكن صوت الشعب الغائب الحاضر هو أول ما يُطرح على الطاولة؟ لماذا تحوّل اللقاء إلى جلسة طمأنة نفسية؟ هل كانت دعوة حوار أم جلسة تجميل سياسي؟
🔚 في الختام: الطمأنينة الحقيقية لا تُصنع داخل القصور
ما قاله الدكتور البراري قد يبعث الراحة في نفوس بعض النخب، لكنه لا يمثل نبض الشارع. لا يمثل عمّان الشرقية، ولا معان، ولا إربد، ولا الكرك، ولا الزرقاء.
نحن في لحظة فارقة، لا تحتاج إلى تزويق الواقع، بل إلى مواجهة الحقيقة بجرأة:
لا إصلاح بلا حرية.
لا استقرار بلا عدالة.
لا مواجهة للمخاطر الخارجية إلا عندما تُرفع القبضة الأمنية عن الداخل.
يا دكتور براري، أنت صوت أكاديمي محترم، لكنك اليوم أخطأت المنبر، وأخطأت الرسالة. كنا نأمل أن تكون صوتنا لا صوت الطمأنينة الزائفة في لحظة تستدعي الصراخ لا المجاملة.